سورة الأنعام - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


قوله تعالى: {ومنهم من يستمع إليك} سبب نزولها: أن نفراً من المشركين، منهم عتبة، وشيبة، والنضر بن الحارث، وأُميَّةُ وأُبيّ ابنا خلف، جلسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستمعوا إليه، ثم قالوا، للنضر بن الحارث: ما يقول محمد؟ فقال: والذي جعلها بَِنيَّةً ما أدري ما يقول؟ إلا أني أرى تحرك شفتيه وما يقول، إلا أساطير الأولين، مثلما كنت أحدثكم عن القرون الماضية؛ وكان النضر كثير الحديث عن القرون الأولى، فنزلت هذه الآية، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
فأما الأكنّة فقال الزجاج: هي جمع كِنان، وهو الغطاء؛ مثل عِنان وأعِنَّة.
وأما {أن يفقهوه}، فمنصوب على انه مفعول له. المعنى: وجعلنا على قلوبهم أكنَّة لكراهة أن يفقهوه، فلما حذفت اللام، نصبت الكراهة؛ ولما حذفت الكراهة، انتقل نصبُها إلى أنْ.
الوقر: ثِقَلُ السمع، يقال: في أذنه وَقْر، وَقد وُقِرَتِ الأذن، تُوْقَر.
قال الشاعر:
وكلامٌ سَيِّئ قد وُقِرَتْ *** أُذُني عنه وما بي من صَمَمْ
والوقِر، بكسر الواو؛ أن يُحَمَّل البعير وغيره مقدار ما يطيق، يقال: عليه وَقْر، ويقال: نخلة موقِر، وموقِرة، وإنما فُعل ذلك بهم مجازاة لهم باقامتهم على كفرهم، وليس المعنى أنهم لم يفهموه، ولم يسمعوه؛ ولكنهم لما عدلوا عنه، وصرفوا فكرهم عما عليهم في سوء العاقبة، كانوا بمنزلة من لم يعلم ولم يسمع. {وإن يروا كل آية} أي: كل علامة تدل على رسالتك، {لا يؤمنوا بها}.
ثم أعلم الله عز وجل مقدار احتجاجهم وجدلهم، وأنهم إنما يستعملون في الاحتجاج أن يقولوا: {إن هذا} أي: ما هذا {إلا اساطير الأولين} وفيها قولان:
أحدهما: أنها ما سُطِّر من أخبارهم وأحاديثهم. روى أبو صالح عن ابن عباس قال: أساطير الأولين: كذبهم، وأحاديثهم في دهرهم. وقال أبو الحسن الاخفش: يزعم بعضهم: أن واحدة الأساطير: أسطورة. وقال بعضهم: أساطيرة؛ ولا أُراه إلا من الجمع الذي ليس له واحد، نحو: عباديد، ومذاكير، وأبابيل. وقال ابن قتيبة: أساطير الأولين: أخبارهم، وما سطر منها، أي: ما كتب، ومنه قوله: {ن. والقلم وما يسطرون} [القلم: 1] أي: يكتبون، واحدها سطر، ثم أسطار، ثم أساطير جمع الجمع، مثل: قول، وأقوال، وأقاويل.
والقول الثاني: أن معنى أساطير الأولين: الترهات، قال أبو عبيدة: واحد الأساطير: أسطورة، وإسطارة، ومجازها مجاز التُرهات. قال ابن الأنباري: الترهات عند العرب: طرق غامضة، ومسالك مشكلة، يقول قائلهم: قد أخذنا في ترهات البسابس، يعني: قد عدلنا عن الطريق الواضح إلى المشكل؛ وعما يعرف إِلى مالا يعرف. والبسابس: الصحاري الواسعة، والتُّرَّهات: طرق تتشعب من الطريق الأعظم، فتكثر وتُشكِل، فجُعلت مثلا لما لا يصح وينكشف.
فان قيل: لم عابوا القرآن بأنه أساطير الأولين، وقد سطر الأولون ما فيه علم وحكمة، وما لا عيب على قائله؟ فعنه جوابان.
أحدهما: أنهم نسبوه إلى أنه ليس بوحي من الله.
والثاني: أنهم عابوه بالإِشكال والغموض، استراحة منهم إلى البهت والباطل. فعلى الجواب الأول تكون {أساطير} التسطير، وعلى الثاني تكون بمعنى الترهات، وقد شرحنا معنى التُّرَّهات.
قوله تعالى: {وهم ينهون عنه وينأون عنه} في سبب نزولها قولان:
أحدهما: أن أبا طالب كان ينهى المشركين أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتباعد عمَّا جاء به، فنزلت فيه هذه الآية، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وهو قول عمرو بن دينار، وعطاء بن دينار، والقاسم بن مخيمرة، وقال مقاتل: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أبي طالب يدعوه إلى الإِسلام، فاجتمعت قريش إلى أبي طالب يريدون بالنبي صلى الله عليه وسلم سوءاً، فسألوا أبا طالب أن يدفعه إِليهم فيقتلوه، فقال: مالي عنه صبر؛ فقالوا: ندفع إليك من شبابنا من شئت مكان ابن أخيك، فقال أبو طالب: حين تروح الإِبل، فان حنت ناقة إلى غير فصيلها دفعتُه إليكم، وقال:
والله لَنْ يَصِلُوا إلَيْكَ بِجَمْعِهِم *** حَتَّى أُوَسَّدَ في التُّرَابِ دَفِينَا
فَاصْدَعْ بأَمْرِكَ مَا عَلَيْكَ غَضَاضَةٌ *** وابْشِرْ وقَرَّ بذاكَ مِنْكَ عُيُونا
وَعَرضْتَ دِيناً لاَ مَحَالَةَ أنَّه *** مِنْ خَيْرِ أدْيانِ البريَّةِ دِينا
لَولا المَلاَمَةُ أو حَذَاري سُبَّةُ *** لَوَجَدْتَني سَمْحَاً بذَاكَ مُبِيْنَا
فنزلت فيه هذه الآية.
والثاني: أن كفار مكة كانوا ينهون الناس عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، ويتباعدون بأنفسهم عنه، رواه الوالبي عن ابن عباس، وبه قال ابن الحنفية، والضحاك، والسدّي، فعلى القول الأول: يكون قوله: {وهم} كنايةً عن واحد؛ وعلى الثاني: عن جماعة.
وفي هاء {عنه} قولان:
أحدهما: أنها ترجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم فيه قولان. أحدهما: ينهون عن أذاه، والثاني: عن اتِّباعه.
والقول الثاني: أنها ترجع إلى القرآن، قاله مجاهد، وقتادة، وابن زيد. {وينأون} بمعنى: يبعدون، وفي هاء {عنه} قولان. أحدهما: أنها راجعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والثاني: إلى القرآن.
قوله تعالى: {وإن يهلكون} أي: وما يهلكون {إلا أنفسهم} بالتباعد عنه، {وما يشعرون} أنهم يهلكونها.


قوله تعالى: {ولو ترى إذ وقفوا على النار} في معنى {وقفوا} ستة أقوال.
أحدها: حُبِسُوا عليها، قاله ابن السائب.
والثاني: عُرِضُوا عليها، قاله مقاتل.
والثالث: عاينوها.
والرابع: وقفوا عليها وهي تحتهم.
والخامس: دخلوا إليها فعرفوا مقدار عذابها، تقول: وقفت على ما عند فلان، أي: فهمته وتبيَّنته، ذكر هذه الأقوال الثلاثة الزجاج، واختار الأخير. وقال ابن جرير: على هاهنا بمعنى في.
والسادس: جعلوا عليها وقفا، كالوقوف المؤبَّدة على سبلها، ذكره الماوردي. والخطاب بهذه الآية للنبي صلى الله عليه وسلم، والوعيد للكفار، وجواب {لو} محذوف، ومعناه: لو رأيتهم في تلك الحال، لرأيت عجباً.
قوله تعالى: {ولا نكذبَ بآيات ربِّنا} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، والكسائي، وأبو بكر، عن عاصم برفع الباء من {نكذبُ} والنون من {نكونُ}.
قال الزجاج: والمعنى أنهم تمنَّوا الرد، وضمنوا أنهم لا يكذِّبون. والمعنى: يا ليتنا نُرَدُّ، ونحن لا نكذب بآيات ربِّنا، رُدِدْنا أو لم نُردَّ، ونكون من المؤمنين، لأنا قد عاينا ما لا نكذب معه أبداً.
قال: ويجوز الرفع على وجه آخر، على معنى {يا ليتنا نرد} يا ليتنا لا نكذب، كأنهم تمنوا الرد والتوفيق للتصديق.
وقال الأخفش: إذا رفعت جعلته على مثل اليمين، كأنهم قالوا: ولا نكذب واللهِ بآيات ربِّنا، ونكون والله من المؤمنين. وقرأ حمزة إلا العجليَّ، وحفص عن عاصم، ويعقوب: بنصب الباء من {نكذبَ} والنون من {نكونَ}.
قال مكي بن أبي طالب: وهذا النصب على جواب التمني، وذلك بإضمار أن حملاً على مصدر {نرد} فأضمرت أن لتكون مع الفعل مصدراً، فعطف بالواو مصدراً على مصدر. وتقديره: يا ليت لنا رداً، وانتفاءاً من التكذيب، وكوناً من المؤمنين. وقرأ ابن عامر برفع الباء من {نُكذبُ} ونصب النون من {نكونَ}، فالرفع قد بيَّنا علته، والنصب على جواب التمني.


قوله تعالى: {بل بدا لهم ما كانوا يُخفون من قبل} {بل}: هاهنا ردّ لكلامهم، أي: ليس الأمر على ما قالوا من أنهم لو ردُّوا لآمنوا.
وقال الزجاج: {بل} استدراك وإيجاب بعد نفي، تقول: ما جاء زيد، بل عمرو. وفي معنى الآية أربعة أقوال.
أحدها: بدا ما كان يخفيه بعضهم عن بعض، قاله الحسن.
والثاني: بدا بنطق الجوارح ما كانوا يخفون من قبل بألسنتهم، قاله مقاتل.
والثالث: بدا لهم جزاء ما كانوا يخفونه، قاله المبرد.
والرابع: بدا للأتباع ما كان يُخفيه الرؤساء، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {ولو ردوا لعادوا لما نُهوا عنه} قال ابن عباس: لعادوا إلى ما نُهوا عنه من الشرك، وإنهم لكاذبون في قولهم: {ولا نكذبَ بآيات ربِّنا ونكون من المؤمنين}.
قال ابن الانباري: كذَّبهم الله في إخبارهم عن أنفسهم، أنهم إن رُدُّوا، آمنوا ولم يكذبوا، ولم يكذِّبْهم في التمني.
قوله تعالى: {وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا} هذا إِخبار عن منكري البعث. قال مقاتل: لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كفار مكة بالبعث، قالوا: هذا. وكان عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم يقول: هذا حكاية قولهم، لو ردوا لقالوه.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11